فصل: باب فضل عتق الرقاب وعتق الزانية وبن الزنى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب عتق امهات الاولاد وجامع القضاء في العتاقة

1477- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ان عمر بن الخطاب قال ايما وليدة ولدت من سيدها فانه لا يبيعها ولا يهبها ولا يورثها وهو يستمتع بها فاذا مات فهي حرة قال ابو عمر اختلف السلف والخلف من العلماء في عتق ام الولد وفي جواز بيعها فالثابت عن عمر - رضي الله عنه - انها لا تباع عنده ابدا وانها حرة من راس مال سيدها وروي مثل ذلك عن عثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز وهو قول الحسن وعطاء ومجاهد وسالم بن عبد الله بن عمر وابراهيم وبن شهاب والى هذا ذهب مالك والثوري والاوزاعي والليث بن سعد وابو حنيفة والشافعي في اكثر كتبه وقد اجاز بيعها في بعض كتبه قال المزني قد قطع في أربعة عشر موضعا في كتبه بأن لا تباع وهو الصحيح من مذهبه وعليه جمهور اصحابه وابو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن حي واحمد واسحاق وابو عبيد وابو ثور كلهم لا يجوز عندهم بيع ام الولد وكان ابو بكر الصديق وعلي وبن عباس وبن الزبير وجابر بن عبد الله وابو سعيد الخدري - رضي الله عنهم يجيزون بيع ام الولد وبه قال داود بن علي وقال جابر وابو سعيد كنا نبيع امهات الاولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا بن جريج قال اخبرنا ابو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول كنا نبيع امهات الاولاد ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا لا يرى بذلك بأسا قال واخبرنا بن جريح قال واخبرنا عبد الرحمن بن الوليد ان ابا إسحاق الهمداني اخبره ان ابا بكر الصديق - رضي الله عنه - كان يقول ببيع امهات الاولاد في امارته وعمر في نصف امارته وقال بن مسعود تعتق في نصيب ولدها وذي بطنها وقد روي ذلك عن بن عباس وبن الزبير قال ابو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال في مارية سريته لما ولدت ابنه ابراهيم ‏(‏ اعتقها ولدها‏)‏ مع وجه ليس بالقوي ولا يثبته اهل الحديث وكذلك حديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏ايما امراة ولدت من سيدها فهي حرة اذا مات‏)‏ ولا يصح ايضا من جهة الاسناد لانه انفرد به حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن بن عباس عن النبي وحسين هذا ضعيف متروك الحديث والصحيح عن عكرمة انه سئل عن ام الولد فقال هي حرة اذا مات سيدها فقيل له عمن هذا قال عن القران قال كيف فقال قال الله عز وجل ‏(‏يا أيها الذين امنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم‏)‏ ‏[‏النساء 59‏]‏‏.‏

وكان عمر من اولي الامر قال يعتقها ولدها ولو كان سقطا ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثنا ابو خالد الاحمر عن يحيى بن سعيد قال اخبرني نافع ان رجلين من اهل العراق سألا بن عمر بالابواء وقالا انا كنا تركنا بن الزبير يبيع امهات الاولاد بمكة فقال عبد الله لكن ابا حفصة عمر - أ تعرفانه - قال ايما رجل ولدت منه جاريته فهي حرة بعد موته قال‏.‏

وحدثني ابو خالد الاحمر عن إسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي عن عبيدة السلماني عن علي - رضي الله عنه - قال استشارني عمر في بيع امهات الاولاد فرايت انا وهو انها اذا ولدت عتقت فقضى به عمر حياته وعثمان بعده فلما وليته رايت ان ارقهن قال الشعبي‏.‏

وحدثني بن سيرين عن عبيدة انه قال له فما ترى انت فقال راي علي وعمر في الجماعة احب الي من قول علي حين ادركه الاختلاف وروى معمر وغيره عن ايوب عن بن سيرين عن عبيدة السلماني قال سمعت عليا يقول اجتمع رايي وراي عمر في امهات الاولاد ان لا يبعن قال ثم رايت بعد ان يبعن قال عبيدة فقلت له رايك وراي عمر في الجماعة احب الي من رايك وحدك في الفرقة او قال في الفتنة فضحك علي - رضي الله عنه اخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال اخبرنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا احمد بن زهير قال اخبرنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن عمرو عن خصيف عن عكرمة عن بن عباس عن عمر قال اذا اسقطت فانها بمعنى الحرة قال ابو عمر يعني في البيع لان الاجماع قد انعقد انها لا تعتق قبل موت سيدها وانها في شهادتها وديتها وارش جنايتها كالامة وقد بان مذهب عمر بما ذكرنا في رواية مالك عن نافع عن بن عمر عنه في اول هذا الباب وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سئل بن شهاب عن ام الولد تزني ايبيعها سيدها قال لا يصلح له ان يبيعها سيدها ولكن يقام عليها حد الامة وروى الثوري عن ابي حصين عن مجاهد قال لا يرقها حدث ومعمر عن ايوب عن اياس بن معاوية انه كتب إلى عمر بن عبد العزيز في ام الولد تزني قال فأراني اياس جواب عمر ان اقم عليها الحد لا تزدها عليه ولا تسترق قال ابو عمر ذكرت هذا لانه قد روى معمر عن ايوب عن بن سيرين عن ابي العجماء عن عمر انها اذا زنت رقت وجمهور العلماء القائلين بأن لا تباع ام الولد على خلاف هذا الحديث يرون عليها اقامة الحد حد الامة ولا تسترق قال ابو عمر احتج الذين اجازوا بيع ام الولد من اهل الظاهر بأن قالوا قد اجمعوا على انها تباع قبل ان يحمل ثم اختلفوا اذا وضعت فالواجب بحق النظر الا يزول حكم ما اجمعوا عليه مع جواز بيعها وهي حامل الا باجماع مثله اذا وضعت ولا اجماع ها هنا فعورضوا بأن الامة مجمعة على انه لا يجوز بيعها وهي حامل من سيدها فمن ذلك لا يجوز بيعها وهي معارضة صحيحة على اصول اهل الظاهر دون سائر العلماء القائلين بزوال ما اعتل بزوال علته والقائسين على المعاني لا على الاسماء وبالله التوفيق‏.‏

1478- مالك انه بلغه ان عمر بن الخطاب اتته وليدة قد ضربها سيدها بنار او اصابها بها فأعتقها قال ابو عمر روي هذا المعنى عن عمر من وجوه منها ما ذكره عبد الرزاق قال اخبرنا الثوري عن يونس عن الحسن ان رجلا كوى غلاما له بالنار فأعتقه عمر قال واخبرنا الثوري عن عبد الملك بن ابي سليمان عن رجل منهم عن عمر ان رجلا أقعد جارية له على النار فأعتقها عمر قال واخبرنا معمر عن ايوب عن ابي قلابه قال وقع سفيان بن الاسود بن عبد الله على امة له فأقعدها على مقلاة فاحترق عجزها فأعتقها عمر بن الخطاب واوجعه ضربا قال ابو عمر اختلف العلماء فيمن مثل بمملوكه عامدا فقال بعضهم يعتق عليه وممن قال بذلك مالك والاوزاعي والليث بن سعد قال مالك يعتق عليه وولاوه له وقال الليث يعتق عليه وولاؤه للمسلمين وروي عن بن عمر انه اعتق امة على مولاها لما مثل بها وقال الاوزاعي ان مثل بمملوك غيره ضمن وعتق عليه قال ابو عمر لا نعلم قاله غير الاوزاعي والله اعلم والجمهور على انه يضمن ما نقص العبد لسيده وقال ابو حنيفة والشافعي واصحابهما من مثل بمملوكه لم يعتق عليه ومملوكه ومملوك غيره في ذلك سواء قال ابو عمر استدل من قال لا يعتق عليه مملوكه ولا غير مملوكه اذا مثل به بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بن عمر ‏(‏من لطم مملوكه أو ضربه‏)‏ وفي بعض الرواة لهذا الحديث يقول فيه ‏(‏او ضربه حدا لم يأته فكفارته عتقه‏)‏ قالوا وقد يكون من الضرب ما يكون مثله فلم يعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما قال ‏(‏كفارته ذلك‏)‏ فدل على انه لم يعتق قال ابو عمر ليس هذا ببين من الحجة والحجة لمالك ومن قال بقوله حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان زنباعا ابا روح بن زنباع وجد غلاما له مع جاريته فقطع ذكره وجدع انفه فأتى العبد النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏ما حملك على ما فعلت‏)‏ قال فعل كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏اعتقه فاذهب فأنت حر‏)‏ ورواه معمر وبن جريج ومحمد بن عبيد الله وغيرهم عن عمرو بن شعيب قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا انه لا تجوز عتاقة رجل وعليه دين يحيط بماله وانه لا تجوز عتاقه الغلام حتى يحتلم او يبلغ مبلغ المحتلم وانه لا تجوز عتاقة المولى عليه في ماله وان بلغ الحلم حتى يلي ماله قال ابو عمر اما قوله في الذين عليهم الدين ان يحيطه بماله انه لا يجوز عتقه فعلى ذلك اكثر اهل المدينة وبه قال الاوزاعي والليث وخالفهم فقهاء الحجاز وبن شبرمة وبن ابي ليلى وابو حنيفة واصحابه فقالوا عتق ما عليه الدين وهبته واقراره جائز كل ذلك عليه كان الدين محيط بماله او لم يكن حتى يفلسه الحاكم ويحبسه ويبطل اقراره ويحجر عليه فاذا فعل القاضي ذلك لم يجز اقراره ولا عتقه ولا هبته وهو معنى ما ذكره المزني عن الشافعي واحتج بالاجماع على ان له ان يطأ جاريته ويحبلها ولا يرد شيء انفقه من مال فيما شاء حتى يضرب الحاكم على يده ويحجر عليه وقال الثوري والحسن بن حيي اذا حبسه القاضي لم يكن محجورا عليه حتى يفلسه القاضي فيقول ‏(‏لا اجيز لك امرا‏)‏ وقال الطحاوي الحبس لا يوجب الحجر واحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للدائنين ‏(‏ خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك‏)‏ فخالف اصحابه ومال إلى قول الثوري وما كان مثله وسنزيد هذه المسألة بيانا في الاقضية ان شاء الله تعالى واما قوله لا تجوز عتاقه الغلام حتى يحتلم او يبلغ ما يبلغ المحتلم فالاحتلام معلوم وقوله او يبلغ مبلغ ما يبلغه المحتلم فان من الرجال من لا يحتلم ولكنه اذا بلغ سنا لا يبلغها الا المحتلم حكم له بحكم المحتلم وقد اختلف العلماء في حد البلوغ لمن لا يحتلم فقال مالك البلوغ والانبات او الاحتلام او الحيض في الجارية الا انه لا يقيم الحد بالانبات حتى يحتلم او يبلغ من السن ما يعلم ان مثله لا يبلغه حتى يحتلم فيكون عليه الحد هذه رواية بن القاسم وتحصيل مذهبه‏.‏

وقال الشافعي يعتبر في المجهول الاولاد الانبات وفي المعلوم بلوغ خمس عشرة سنة وهو قول بن وهب وبن الماجشون وبه قال الاوزاعي وابو يوسف ومحمد في الغلام والجارية جميعا وحجتهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر بقتل من انبت من سبي قريظة واستحيى من لم ينبت وروى نافع عن اسلم ان عمر بن الخطاب كتب إلى امراء الاجناد ‏(‏الا يضربوا الجزية الا على من جرت عليه المواسي‏)‏ وقال عثمان في غلام سرق انظروه فان كان خضر مبرزه فاقطعوه‏.‏

وقال أبو حنيفة اذا بلغت الجارية سبع عشرة سنة فهي بالغ وان لم تحض وفي الغلام تسع عشرة سنة وان لم يحتلم قبل ذلك وقال الثوري في الغلام ثماني عشرة سنة وفي الجارية اذا ولد مثلها قال ابو عمر لا اعلم خلافا ان الغلام ما لم يحتلم لا يجوز عتقه اذا كان ذلك في صحته ولم تكن وصية منه وكذلك المحجوز المولى عليه لا يجوز عتقه لشيء من ماله ورقيقه عندهم الا ان مالكا واكثر اصحابه اجازوا عتق ام ولده والله الموفق‏.‏

باب ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة

1479- مالك عن هلال بن اسامه عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم انه قال اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ان لي جارية كانت ترعى غنما لي فجئتها وقد فقدت شاه من الغنم فسألتها عنها فقالت اكلها الذئب فأسفت عليها وكنت من بني ادم فلطمت وجهها وعلى رقبة افأعتقها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏اين الله‏)‏ فقالت في السماء فقال ‏(‏من انا‏)‏ فقالت انت رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏اعتقها‏)‏ قال ابو عمر اما الحديث الاول لمالك في هذا الباب عن هلال بن اسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم فهكذا رواه جماعة رواة ‏(‏الموطأ‏)‏ عن مالك كلهم قال فيه ‏(‏عن عمر بن الحكم‏)‏ وهو غلط ووهم منه وليس في الصحابة رجل يقال له عمر بن الحكم وانما هو معاوية بن الحكم السلمي وكذلك قال فيه كل من روى هذا الحديث عن هلال هذا وهو هلال بن علي بن ابي ميمونة وابو ميمونة اسمه اسامة فربما قال هلال بن اسامة وربما قال هلال بن ابي ميمونة ينسبونه كله إلى ذلك وربما قالوا هلال بن علي بن ابي ميمونة وهو مولى عامر بن لؤي واما معاوية بن الحكم فمعروف في الصحابة والحديث له محفوظ وقد يمكن ان يكون الغلط في اسمه جاء من قبل هلال شيخ مالك لا من مالك والدليل على ذلك رواية مالك في هذا الحديث عن بن شهاب عن ابي سلمة بن عبد الرحمن عن معاوية بن الحكم في غير ‏(‏الموطأ‏)‏ ولم يقل عمر بن الحكم وقال فيه معاوية بن الحكم الا ان مالكا لم يذكر في روايته لهذا الحديث عن بن شهاب عن ابي سلمة عن معاوية بن الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم الا قصة اتيان الكهان والطيرة لا غير وكذلك رواه اصحاب بن شهاب ورواه الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير عن هلال بن ابي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم قال قلت يا رسول الله ‏!‏ انا كنا حديثي عهد بجاهلية فجاء الله بالاسلام وان رجالا منا يتطيرون وذكر الخبر في الطيرة وفي اتيان الكهان وفي الخط وفي كلامهم في الصلاة وقوله ‏(‏بأبي هو وامي ما ضربني ولا كهرني‏)‏ قال ثم اطلعت غنيمة لي ترعاها جارية لي وساق الحديث إلى قوله ‏(‏انها مؤمنة فأعتقها‏)‏ وقد ذكرنا حديث الاوزاعي وغيره بالاسانيد الصحاح في ‏(‏التمهيد‏)‏ واما قوله في هذا الحديث للجارية اين الله فعلى ذلك جماعة اهل السنة وهم اهل الحديث ورواته المتفقهون فيه وسائر نقلته كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه ‏(‏ الرحمن على العرش استوى ‏)‏ ‏[‏طه 5‏]‏‏.‏

وان الله عز وجل في السماء وعلمه في كل مكان وهو ظاهر القران في قوله عز وجل ‏(‏ءامنتم من في السماء ان يخسف بكم الارض فاذا هي تمور‏)‏ ‏[‏الملك 16‏]‏‏.‏

وبقوله عز وجل ‏(‏إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه‏)‏ ‏[‏فاطر 10‏]‏‏.‏ وقوله ‏(‏تعرج الملائكة والروح إليه‏)‏ ‏[‏المعارج 4‏]‏‏.‏

ومثل هذا كثير في القران وقد اوضحنا هذا المعنى في كتاب الصلاة عند ذكر حديث التنزيل بما لا معنى لتكراره ها هنا وزدنا ذلك بيانا في هذا الباب في ‏(‏التمهيد‏)‏ أيضا وليس في هذا الحديث معنى يشكل غير ما وصفنا ولم يزل المسلمون اذا دهمهم امر يقلقهم فزعوا إلى ربهم فرفعوا ايديهم واوجههم نحو السماء يدعونه ومخالفونا ينسبونا في ذلك إلى التشبيه والله المستعان ومن قال بما نطق به القران فلا عيب عليه عند ذوي الالباب روينا ان ابا الدرداء ابطأ عن الغزو عاما فأعطى رجلا صرة فيها دراهم وقال انطلق فاذا رايت رجلا يسير مع القوم في ناحية عنهم في هيئة بذاذة فادفعها إليه قال ففعل فرفع الذي اعطي الصرة راسه إلى السماء وقال اللهم انك لم تنس جريرا فاجعل جريرا لا ينساك قال فرجع الرجل إلى ابي الدرداء واخبره فقال ابو الدرداء عرف الحق لاهله واولى النعمة اهلها واما حديث مالك في هذا الباب عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فجود لفظه يحيى ومن تابعه‏.‏

1480- مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ان رجلا من الانصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية له سوداء فقال يا رسول الله ان علي رقبة مؤمنة فان كنت تراها مؤمنة اعتقها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏اتشهدين ان لا اله الا الله‏)‏ قالت نعم قال ‏(‏اتشهدين ان محمدا رسول الله‏)‏ قالت نعم قال ‏(‏اتوقنين بالبعث بعد الموت‏)‏ قالت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏اعتقها‏)‏ ورواه بن القاسم وبن بكير باسناده مثله الا انهما لم يذكرا ‏(‏فان كنت تراها مؤمنة‏)‏ قالا ‏(‏يا رسول الله ‏!‏ علي رقبة مؤمنة افاعتق هذه‏)‏ وكذلك رواه بن وهب عن يونس ومالك عن بن شهاب عن عبيد الله ان رجلا من الانصار اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية له سوداء فقال يا رسول الله ‏!‏ ان علي رقبة مؤمنة وساق الحديث وكذلك رواه معمر عن بن شهاب ورواه القعنبي باسناده مثله وحذف منه ‏(‏ان علي رقبة مؤمنة‏)‏ وقال ان رجلا من الانصار اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية له سوداء فقال يا رسول الله ‏!‏ اعتقها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏اتشهدين‏)‏ وذكر الحديث وفائدة الحديث قوله ان علي رقبة مؤمنة ولم يقله القعنبي الا ان في الحديث ما يدل على المراد بقوله اتشهدين بكذا ولم يختلف رواة ‏(‏الموطا‏)‏ في ارسال هذا الحديث ورواه الحسين بن الوليد عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ حديث ‏(‏الموطا‏)‏ سواء وجعله متصلا عن ابي هريرة مسندا ورواه الحسن هذا ايضا عن المسعودي عن عون بن عبد الله بن عتبة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله الا انه زاد فيه عن المسعودي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏اعتقها فانها مؤمنة‏)‏ وليس في ‏(‏الموطا‏)‏ من قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏فانها مؤمنة‏)‏ ولكن فيه ما يدل على ذلك ورواه معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن رجل من الانصار انه جاء بامة له سوداء فقال يا رسول الله ‏!‏ ان علي رقبة مؤمنة فان كنت تراها مؤمنة اعتقها وساق الحديث مثل رواية يحيى إلى اخرها وفي حديث مالك عن بن شهاب في هذا الباب من الفقه ان من شرط الشهادة التي لا يتم الايمان الا بها الاقرار بالبعث بعد الموت بعد شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وقد اجمع المسلمون على ان من انكر البعث بعد الموت فليس بمؤمن ولا مسلم ولا ينفعه ما شهد به وفي ذلك مع ما في القران من تاكيد الاقرار بالبعث بعد الموت ما يغني ويكفي ولا خلاف علمته فيمن جعل على نفسه رقبة مؤمنة نذرا لله ان يعتقها انه لا يجزئ عنه الا مؤمنة وكذلك لا يجزئ عند الجميع في كفارة قتل الخطا الا رقبة مؤمنة بشرط الله ذلك في نص كتابه هنالك واختلفوا في كفارة الظهار وكفارة الايمان وقد ذكرنا ذلك في موضعه والحمد لله كثيرا واختلف العلماء فيمن عليه رقبة مؤمنة هل يجزئ فيها الصغير ان كان ابواه مؤمنين وهل يجزئ فيها من لم يصم ولا يصل فقالت طائفة لا يجوز فيها الا من صام وقالت ذهب إلى هذا بعض من يقول ‏(‏الايمان قول وعمل‏)‏ وروى عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحة عن بن عباس ‏(‏ وتحرير رقبة مؤمنة‏)‏ ‏[‏النساء 92‏]‏‏.‏

قال من عقل الايمان وصام وصلى وروى وكيع عن الاعمش عن ابراهيم قال ما كان في القران من رقبة مؤمنة فلا يجزئ الا من صام وصلى وما كان في القران رقبة ليست مؤمنة فالصبي يجزئ وعبد الرزاق عن الثوري عن الاعمش عن ابراهيم مثله الا انه قال قد صلى ولم يذكر الصيام وما لم يذكر مؤمنة فيجزئ وان لم يصل وعن الشعبي والحسن وقتادة مثل قول بن عباس وابراهيم وهو قول الثوري وروى الاشجعي عن الثوري انه قال لا يجزئ في كفارة القتل الصبي ولا يجزئ الا من صام وصلى وقال عطاء بن ابي رباح كل رقبة ولدت في الاسلام فهي تجزئ وكذلك قال الزهري قال الاوزاعي سالت الزهري أيجزىء عتق الصبي المرضع في كفارة الدم قال نعم لانه ولد على الفطرة وهو قول الاوزاعي وقال ابو حنيفة اذا كان احد ابويه مؤمنا جاز عتقه في كفارة القتل وهو قول الشافعي الا ان الشافعي يستحب الا يعتق في الكفارات إلا من يتكلم بالايمان واختلف قول مالك واصحابه على هذين القولين الا ان مالكا يراعي اسلام الاب ولا يراعي اسلام الام قال ابو عمر اجمع علماء المسلمين ان من ولد بين ابوين مسلمين ولم يبلغ حد الاختيار والتمييز فحكمه حكم المسلم المؤمن في الوراثة والصلاة عليه ودفنه بين المسلمين وان ديته - ان قتل - مثل دية احدهم فدل ذلك انه يجزئ في الرقاب المؤمنة وبالله التوفيق‏.‏

1481- مالك انه بلغه عن المقبري انه قال سئل ابو هريرة عن الرجل تكون عليه رقبة هل يعتق فيها بن زنا فقال ابو هريرة نعم ذلك يجزئ عنه‏.‏

1482- مالك انه بلغه عن فضالة بن عبيد الانصاري وكان من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل عن الرجل تكون عليه رقبة هل يجوز له ان يعتق ولد زنا قال نعم ذلك يجزئ عنه قال ابو عمر على هذا جماعة ائمة الفتوى بالامصار واكثر التابعين وروي ذلك عن بن عباس ايضا ورواه الثوري عن ثور عن عمر بن عبد الرحمن القرشي عن بن عباس انه سئل عن ولد زنا وولد رشدة في العتاقة فقال انظروا اكثرهما ثمنا فنظروا فوجدوا ولد الزنى اكثرهما ثمنا فامرهم به والثوري عن يونس عن الشعبي مثله وهو قول الحسن وقتادة وما خالفه فضرب من الشذوذ وانما ذكر مالك - رحمه الله - والله اعلم في موطئه عن ابي هريرة انه اجاز عتق ولد الزنى انكارا منه لما يرويه اهل العراق عن سهيل بن ابي صالح عن ابيه عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ولد الزنى شر الثلاثة‏)‏ وقال ابو هريرة لان امنع بسوط في سبيل الله او احمل نعلين في سبيل الله احب الي من ان اعتق ولد زنية وقد قال القعقاع بن ابي حدرد انت تقول هذا فقال ابو هريرة اني لم اقل هذا فيمن يحصن امته وانما قلت هذا في الذي يامر امته بالزنى وقد انكر بن عباس على من روى في ولد الزنى انه شر الثلاثة وقال لو كان شر الثلاثة ما استوفى بامة ان ترجم حتى تضعه ورواه بن وهب عن معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحة عن بن عباس وقد ذكرناه في ‏(‏ التمهيد‏)‏ باسناده وروى يزيد بن هارون عن سفيان عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة في ولد الزنى قالت ما عليه من ذنب ابويه شيء ثم قرات ‏(‏ولا تزر وازرة وزر اخرى ‏)‏ الانعام 164 الاسراء 15 ‏[‏فاطر 18‏]‏‏.‏

الزمر 7 ومذهب بن عباس جواز عتق ولد الزنى في الرقاب الواجبة وغيرها وقد قال لا يجزئ في الرقاب الواجبة وغيرها ولد الزنى جماعة منهم الزهري يروي عن عمر انه قال لان احمل على نعلين في سبيل الله احب من ان اعتق ولد زنا ذكره بن عيينة عن الزهري قال الزهري لا يجزئ ولد الغية في الرقاب الواجبة ولا ام الولد ولا المدبر ولا الكافر وقال عطاء مثله وقد اضطرب عطاء في هذا المعنى وقال بن جريج قلت لعطاء ولد زنا صغير أيجزىء في رقبة مؤمنة اذا لم يبلغ الحنث قال لا ولكن كبير رجل صدق وعن بن جريج ايضا قال قلت لعطاء الرقبة المؤمنة الواجبة أيجزىء فيها مرضع قال نعم قلت وكيف ولم يصل وراجعته فقال ما اراه الا مسلما وديته دية ابيه قال بن جريج وقال عمرو بن دينار ما ارى الا الذي قد بلغ واسلم قال ابو عمر اختلف قول الزهري في الصبي ايضا فروى الاوزاعي عنه ما تقدم ذكره وروى معمر عن الزهري قال لا يجزئ في الظهار صبي مرضع قال ابو عمر فاذا لم يجز في الظهار فاحرى الا يجزئ في القتل لان النص في الرقبة المؤمنة انما ورد في القتل والظهار مقيس عليه‏.‏

وقال الشافعي - رحمه الله وكذلك الشرط في العدالة والرضا في الشهداء وردا في اية الدين واية الرجعة وقد اجمعوا في الشهادة في الزنى وغيره انه لا يجوز في ذلك كله الا العدول وكذلك الايمان في الرقاب الواجبة وبالله التوفيق‏.‏

باب ما لا يجوز من العتق في الرقاب الواجبة

1483- مالك انه بلغه ان عبد الله بن عمر سئل عن الرقبة الواجبة هل تشترى بشرط فقال لا قال مالك وذلك احسن ما سمعت في الرقاب الواجبة انه لا يشتريها الذي يعتقها فيما وجب عليه بشرط على ان يعتقها لانه اذا فعل ذلك فليست برقبة تامة لانه يضع من ثمنها للذي يشترط من عتقها قال مالك ولا باس ان يشتري الرقبة في التطوع ويشترط ان يعتقها قال ابو عمر قول الشافعي في هذا كقول مالك ذكر المزني عن الشافعي قال لا يجزئ في رقبة واجبة ان اشترط ان يعتق لان ذلك يضع من ثمنها واجاز ذلك الكوفيون لانها رقبة تامة سالمة من العيوب المفسدة قال مالك ان احسن ما سمع في الرقاب الواجبة انه لا يجوز ان يعتق فيها نصراني ولا يهودي ولا يعتق فيها مكاتب ولا مدبر ولا ام ولد ولا معتق إلى سنين ولا اعمى ولا باس ان يعتق النصراني واليهودي والمجوسين تطوعا لان الله تبارك وتعالى قال في كتابه ‏(‏فاما منا بعد واما فداء‏)‏ ‏[‏محمد 4‏]‏‏.‏

فالمن العتاقة قال مالك فاما الرقاب الواجبة التي ذكر الله في الكتاب فانه لا يعتق فيها الا رقبة مؤمنة قال مالك وكذلك في اطعام المساكين في الكفارات لا ينبغي ان يطعم فيها الا المسلمون ولا يطعم فيها احد على غير دين الاسلام قال ابو عمر اما اختلاف العلماء في جملة ما يجزئ في الرقاب الواجبة فقد اوضح مالك مذهبه في موطئه وهي جملة خولف في بعضها وتابعه اكثر العلماء على اكثرها ونحن نذكر اقوالهم جملة على حسب ما ذكره مالك بعد ذكر ما ذكره بن القاسم وغيره عن مالك مما لم يذكره في موطئه قال مالك يجزئ الاعرج اذا كان خفيف العرج وان كان شديدا لم يجزئ ولا يجزئ اقطع اليدين ولا الرجلين ويجزئ اقطع اليد الواحدة والاعور ولا يجزئ الاجدع ولا المجنون ولا الاصم ولا الاخرس قال بن القاسم وقياس قول مالك الا يجزئ الابرص لان الاصم ايسر شانا منه قال بن القاسم ولا يجزئ الذي يجن ويفيق وقال اشهب في الذي يجن ويفيق انه يجزئ من رايه وروي عن مالك انه يجزئ الاعرج كما يجزئ الاعور وقال بن الماجشون لا يجزئ الاعور وقال اشهب يجزئ الاصم‏.‏

وقال مالك يجزئ الموسر عتق نصف العبد اذا قوم عليه كله وعتق ولا يجزئ المعسر وهو قول الاوزاعي واما الشافعي فقال لا يجزئ في الرقاب الواجبة الا رقبة مؤمنة لا في الظهار ولا في غيره قال وقد شرط الله تعالى في رقبة القتل مؤمنة كما شرط العدل في الشهادة في موضع وأطلق الشهود واستدللنا على أن ما أطلق في معنى ما شرط قال ويجوز المدبر ولا يجوز المكاتب أدى من نجومه شيئا أو لم يؤده لأنه ممنوع من بيعه ولا تجزئ أم الولد في قول من قال لا يبيعها قال المزني هو لا يجيز بيعها وله بذلك كتاب‏.‏

وقال الشافعي والعبد المرهون والجاني إذا أعتقه وافتكه من الرهن وأدى ما عليه من الجناية أجزأ قال والغائب إذا كان على يقين من حياته في حين عتقه يجزئ وإلا لم يجز ولو اشترى من يعتق عليه لم يجز ولو أعتق عبدا بينه وبين آخر وهو موسر أجزأه وكذلك لو كان معسرا ثم أيسر فاشترى النصف الآخر فأعتقه أجزأه وقد روي عنه أنه لا يجزئه إلا أن ينويه عن نفسه قال فلم اعلم احدا مضى من اهل العلم ولا ذكر لي عنه الا وهم يقولون ان من الرقاب ما يجزئ ومنها ما لا يجزئ فدل ذلك على ان المراد بعتقها بعضها دون بعض فلم اجد في معنى ما ذهبوا إليه إلا ما اقول والله اعلم وجماعة ان الاغلب فيما يتخذ له الرقيق العمل ولا يكون العمل تاما حتى يكون يد المملوك باطشتين ورجلاه ماشيتين وله بصر وان كانت عينا واحدة ويكون يعقل فان كان ابكم او اصم او ضعيف البطش اجزا ويجزئ المجنون الذي يفيق في اكثر الاحيان ويجزئ الاعور والعرج الخفيف وشلل الحيض وكل عيب لا يضره في العمل اضرارا بينا ولا يجزئ الاعمى ولا المقعد ولا الاشل الرجل ويجزئ الاصم والخصي والمريض الذي ليس به مرض زمانة وقال ابو حنيفة واصحابه لا يجزئ في الرقاب الواجبة مدبر ولا ام ولد ويجزئ المكاتب ان لم يكن ادى من كتابته شيئا استحسانا وان كان ادى شيئا لم يجز ولا يجوز الاعمى ولا المقعد ولا المقطوع اليدين ولا المقطوع الرجلين ولا المقطوع اليد والرجل من جانب واحد فأما ان كانت يده الواحدة مقطوعة او رجله او مقطوع اليد والرجل من خلاف او كان اعور العين الواحدة فان ذلك يجزئ ولا يجزئ في ذلك مقطوع الابهامين ولا مقطوع ثلاثة اصابع في كل كف سوى الابهامين وان كان اقل من ثلاثة اصابع اجزا والذكر والانثى والصغير والكبير في ذلك كله سواء ويجزئ عندهم الكافر في الظهار وكفارة اليمين ولا يجزئ في قتل الخطا ومن اعتق في رقبة واجبة عليه عبدا بينه وبين اخر لم يجزئه موسرا كان او معسرا في قول ابي حنيفة ويجزئه في قول ابي يوسف ومحمد اذا كان موسرا ولا يجزئه اذا كان معسرا والاشل عندهم كالاقطع يجزئ ولا يجزئ المعتوه ولا الاخرس ويجزئ المقطوع الاذنين والخصي وقال زفر لا يجزئ مقطوع الاذنين وقال عثمان البتي يجزئ الاعور والاعرج الا ان لا يمشي وقال الليث بن سعد لا يجزئ في الرقاب الواجبة شيء فيه عيب ولا يجزئ الذي يجن في كل شهر مرة وان كان فيما بين ذلك صحيحا لان ذلك عيب ولا يجزئ الاعرج ولا الاجدع ولا الاعور ولا الاشل لان ذلك مما لا يجزئ في الضحايا فهو في ذلك اشد قال ابو عمر اجمعوا على ان العيب الخفيف في الرقاب الواجبة يجزئ نحو الحول ونقصان الضرس والظفر واثر كي النار والجرح الذي قد بريء وذلك كله يرد به العيب اذا نقص من الثمن فدل ذلك على انه ليس المعتبر في الرقاب السلامة من جميع العيوب والقياس لها ايضا على الضحايا بالا يستقيم من اجل السن لان الصغير يجزئ عندهم في الرقاب الواجبة ولا يجزئ في الضحايا واما قول مالك في انه لا يطعم في الكفارات الا مساكين المسلمين فقد مضى القول في ذلك في كتاب الايمان والحمد لله‏.‏

باب عتق الحي عن الميت

1484- مالك عن عبد الرحمن بن ابي عمرة الانصاري ان امه ارادت ان توصي ثم اخرت ذلك إلى ان تصبح فهلكت وقد كانت همت بان تعتق فقال عبد الرحمن فقلت للقاسم بن محمد اينفعها ان اعتق عنها فقال القاسم ان سعد بن عبادة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان امي هلكت فهل ينفعها ان اعتق عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ نعم‏)‏‏.‏

1485- مالك عن يحيى بن سعيد انه قال توفي عبد الرحمن بن ابي بكر في نوم نامة فاعتقت عنه عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رقابا كثيرة قال مالك وهذا احب ما سمعت الي في ذلك قال ابو عمر لا اعلم خلافا ان العتق والصدقة وما جرى مجراهما من الاموال جائز كل ذلك فعله للحي عن الميت وانما اختلفوا في الولاء اذا اعتق المرء على غيره وقد ذكرنا ذلك في موضعه وكذلك اختلفوا في الصيام عن الميت ولا يختلفون انه لا يصلي احد عن احد وقد ذكرنا اختلافهم في الصيام عن الميت في كتاب الصيام وذكرنا خبر عبد الرحمن بن ابي بكر وموته في كتاب الصحابة والحمد لله‏.‏

باب فضل عتق الرقاب وعتق الزانية وبن الزنى

1486- مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرقاب ايها افضل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏اغلاها ثمنا وانفسها عند اهلها‏)‏ قال ابو عمر اختلف على مالك في اسناد هذا الحديث فروته عنه طائفة كما رواه يحيى عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة منهم مطرف وبن ابي اويس وروح بن عبادة ورواه عنه اخرون عن هشام بن عروة عن ابيه مرسلا منهم بن وهب وابو مصعب ورواه سعيد بن داود الزبيدي وحبيب كاتب مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن ابي مرواح عن ابي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه جماعة الرواة كذلك عن مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن ابي مرواح عن ابي ذر مسندا وقد ذكرنا كثيرا من الطرق بذلك في ‏(‏التمهيد‏)‏ وهو الصواب عند اهل العلم بالحديث ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا معمر والثوري عن هشام بن عروة عن ابيه عن ابي مرواح الغفاري عن ابي ذر قال قلت يا رسول الله ‏!‏ أي الرقاب افضل قال ‏(‏انفسها عند اهلها واغلاها اثمانا‏)‏ وكذلك رواه بن عيينة والدراوردي ووكيع ويحيى القطان وسائر اصحاب هشام بن عروة حدثنا احمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن ابي اسامة قال حدثنا ابو نعيم قال حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن ابيه عن ابي مرواح عن ابي ذر قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم اي الرقاب افضل قال ‏(‏انفسها عند اهلها واغلاها ثمنا‏)‏‏.‏

1487- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر انه اعتق ولد زنا وامه واما عتق بن عمر لولد وامه فقد ذكرنا عن بن عباس مثل ذلك وتقدم من رواية مالك عن ابي هريرة وفضالة بن عبيد مثله ايضا وعليه جمهور العلماء ولا يختلفون ان عتق المذنب ذي الكبيرة جائز وان ذنوبه لا تنقص من اجر معتقيه وكذلك ولد الزنى لان ذنوب ابويه ليس شيء منه معدودا عليه بدليل قول الله عز وجل ‏(‏ولا تزر وازرة وزر اخرى ‏)‏ الانعام 164 ‏(‏ولا تكسب كل نفس الا عليها‏)‏ الانعام 164 وقد اجمع العلماء على جواز عتق الكافر تطوعا فالمسلم المذنب اولى بذلك واما ما يجوز في الرقاب الواجبة فقد مضى القول فيها في الباب قبل هذا والحمد لله كثيرا وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزبير بن موسى عن ام حكيم بنت طارق عن عائشة ام المؤمنين قالت ‏(‏اعتقوهم واحسنوا اليهم واستوصوا بهم خيرا‏)‏ تعني اولاد الغية قال‏.‏

وحدثنا عمرو بن دينار انه سمع سليمان بن يسار يقول قال عمر ‏(‏اعتقوهم واحسنوا اليهم واستوصوا بهم خيرا‏)‏ يعني اللقيط وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن وهب بن منبه قال كان الرجل اذا ساح في بني اسرائيل اربعين سنة اري شيئا قال فساح رجل ولد غية اربعين سنة فلم ير ما كان يرى من قبله فقال أي رب ارايت ان احسنت واساء ابواي ماذا علي قال فراى ما راى السائحون قبله‏.‏

باب مصير الولاء لمن اعتق

1488- مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم انها قالت جاءت بريرة فقالت اني كاتبت اهلي على تسع اواق في كل عام اوقية فاعينيني فقالت عائشة ان احب اهلك ان اعدها لهم عنك عددتها ويكون لي ولاؤك فعلت فذهبت بريرة إلى اهلها فقالت لهم ذلك فابوا عليها فجاءت من عند اهلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت لعائشة اني قد عرضت عليهم ذلك فابوا علي الا ان يكون الولاء لهم فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسالها فاخبرته عائشة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذيها واشترطي لهم الولاء فانما الولاء لمن اعتق ففعلت عائشة ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال ‏(‏اما بعد‏)‏ فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط قضاء الله احق وشرط الله اوثق وانما الولاء لمن اعتق‏.‏

1489- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ان عائشة ام المؤمنين ارادت ان تشتري جارية تعتقها فقال اهلها نبيعكها على ان ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏(‏ لا يمنعنك ذلك فانما الولاء لمن اعتق‏)‏‏.‏

1490- مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن ان بريرة جاءت تستعين عائشة ام المؤمنين فقالت عائشة ان احب اهلك ان اصب لهم ثمنك صبة واحدة واعتقك فعلت فذكرت ذلك بريرة لاهلها فقالوا لا الا ان يكون لنا ولاؤك قال يحيى بن سعيد فزعمت عمرة ان عائشة ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏اشتريها واعتقيها فانما الولاء لمن اعتق‏)‏‏.‏

1491- مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته قال مالك في العبد يبتاع نفسه من سيده على انه يوالي من شاء ان ذلك لا يجوز وانما الولاء لمن اعتق ولو ان رجلا اذن لمولاه ان يوالي من شاء ما جاز ذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏الولاء لمن اعتق‏)‏ ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته فاذا جاز لسيده ان يشترط ذلك له وان ياذن له ان يوالي من شاء فتلك الهبة قال ابو عمر قد خرج الناس في معاني حديث بريرة وجوها كثيرة فمنهم من له في ذلك باب ومنهم في ذلك كتاب وربما ذكروا من الاستنباط ما لا يفيد علما ولا يثيره ونحن - ان شاء الله تعالى بعونه وفضله - نذكر من معاني حديث بريرة ها هنا ما فيه كفاية من الاحكام التي عني بذكرها وبالحرص فيها الفقهاء واولو الاحلام والنهى فمن ذلك ان في حديث بريرة استعمال عموم الخطاب في السنة والكتاب لان بريرة لما كاتبها اهلها دل على ان الرجال والنساء والعبيد والاماء داخلون في عموم قول الله تعالى ‏(‏والذين يبتغون الكتاب مما ملكت ايمانكم فكاتبوهم‏)‏ الاية ‏[‏النور 33‏]‏‏.‏

وان الامة ذات زوج كانت او غير ذات زوج داخلة في حديث بريرة في عموم الاية لانها كانت ذات زوج لا خلاف فيه وفيه دليل ان كتابة الامة ذات الزوج جائزة دون زوجها وفي ذلك دليل على ان زوجها ليس له منعها من الكتابة وان كانت تؤول إلى فراقة بغير ارادته اذا ادت وعتقت وخيرت فاختارت نفسها ولا منعها من السعي في كتابتها ولو استدل مستدل من هذا المعنى بان الزوجة ليس عليها خدمة زوجها كان حسنا كما ان للسيد عتق الامة تحت العبد وان ادى ذلك إلى بطلان نكاحه وله ان يبيع امته من زوجها الحر وان كان في ذلك بطلان زوجيتيهما كان بهذا المعنى جائزا له كتابتها على رغم زوجها وفيه دليل على ان به يجوز للسيد مكاتبة عبده وامته وان لم يكن لهما شيء من المال الا ترى ان بريرة جاءت تستعين عائشة في اول كتابتها ولم تكن ادت منها شيئا كذلك ذكر بن شهاب عن عروة في هذا الحديث ذكره بن وهب عن يونس والليث عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت جاءت بريرة الي فقالت يا عائشة ‏!‏ اني كاتبت اهلي على تسع اواق في كل عام اوقية فاعينيني ولم تكن قضت من كتابتها شيئا وذكر تمام الحديث وفيه دليل على اجازة كتابة الامة وهي غير ذات صنعة وكتابة من لا حرفة له ولا مال معه اذ ظاهر الخبر انها ابتدات بالسؤال من حين كوتبت ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم هل لها مال او عمل واجب او مال ولو كان هذا واجبا لسال عنه ليقع علمه عليه لانه بعث مبينا ومعلما - صلى الله عليه وسلم وفيما وصفنا دليل على ان قول من تاول قول الله عز وجل ‏(‏ان علمتم فيهم خيرا‏)‏ ‏[‏النور 33‏]‏‏.‏

ان الخير ها هنا المال ليس بالتاويل الجيد وان كان قد روي عن جماعة من المسلمين قد ذكرت بعضهم فيما تقدم من باب المكاتب والدليل على ضعف هذا التاويل اجماع العلماء على ان مال العبد للسيد ان شاء ان ينتزعه من عنده انتزعه من قال منهم ان العبد يملك ومن قال انه لا يملك فكيف يكاتبه بماله الا ان يشا ترك ذلك له واصح ما في تاويل الاية والله اعلم ان الخير المذكور فيها هو القدرة على الاكتساب مع الامانة وقد يكتسب بالسؤال كما قيل السؤال اخر كسب الرجل أي ارذل كسب الرجل وكان بن عمر يكره كتابة العبد اذا لم تكن له حرفة وكان يكره ان يطعمه مكاتبه من سؤال الناس وقال بذلك طائفة من اهل الورع وفي حديث بريرة ما يدل على جواز اكتساب المكاتب بالسؤال وان ذلك طيب لمولاه وهو يرد قول من قال لا تجوز كتابة المكاتب اذا عدل على السؤال لانه يطعمه اوساخ الناس والدليل على صحة ما قلنا ان ما طاب لبريرة اخذه طاب لسيدها اخذه منها اعتبارا باللحم الذي كان عليها صدقة وللنبي صلى الله عليه وسلم هدية واعتبارا ايضا بجواز معاملة الناس للسائل وقد روي ايضا عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث سهل بن حنيف وغيره انه قال ‏(‏ من اعان غارما في عسرته او غازيا في سبيل الله او مكاتبا في رقبته اظله الله في ظله يوم لا ظل الا ظله‏)‏ فندب الناس إلى الصدقة على المكاتب وقد تاول قوم من العلماء في ذلك قول الله عز وجل ‏(‏وفي الرقاب‏)‏ ‏[‏التوبة 60‏]‏‏.‏

انهم المكاتبون يعانون في فك رقابهم من اشترط منهم عونهم في اجر الكتابة ومن لم يشترط واجازوا لهم الزكاة المفروضة فضلا عن التطوع وكان الحسن البصري يقول في قول الله عز وجل ‏(‏ان علمتم فيهم خيرا‏)‏ ‏[‏النور 33‏]‏‏.‏

قال صدقا وامانة من اعطاهم كان ماجورا ومن سئل فرد خيرا كان ماجورا وقال ابراهيم النخعي ان علمتم فيهم خيرا صدقا ووفاء وقال عكرمة قوة تعين على الكسب وقال سفيان الثوري دينا وامانة وقال اخرون الخير ها هنا الصلاة والصلاح وقد ذكرنا هذا المعنى باتم ذكر في كتاب المكاتب واتفق مالك والشافعي وابو حنيفة في جواز كتابة من لا حرفة له ولا مال معه فقد روي عن مالك ايضا كراهية ذلك وكره الاوزاعي واحمد واسحاق كتابة من لا حرفة له وعن عمر وبن عمر ومسروق مثل ذلك وقد ذكرنا ما للعلماء من التنازع في وجوب كتابة العبيد اذا ابتغوا ذلك من ساداتهم وعلموا فيهم خيرا في كتاب المكاتب واما قولها ‏(‏كاتبت اهلي على تسع اواق‏)‏ فقد ذكرنا مبلغ الاوقية والاصل فيها في كتاب الزكاة واما قولها في كل عام اوقية ففيه دليل على ان الكتابة تكون على النجم وهذا جائز عند الجميع واقل الانجم ثلاثة واختلفوا في الكتابة اذا وقعت على نجم واحد فاكثر اهل العلم يجيزونها على نجم واحد‏.‏

وقال الشافعي لا تجوز على نجم واحد ولا تجوز حالة البتة لانها ليست كتابة وانما هو عتق على صفة كتابة كانه قال اذا اديت الي كذا وكذا فانت حر وقد احتج بقولها في هذا الحديث في كل عام اوقية ومن اجاز النجامة في الديون كلها على مثل هذا في كل شهر كذا ولا يقول في اول الشهر او في وسطه او في اخره لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل انها كتابة فاسدة ومعلوم ان المكاتب منفرد بكسبه كالاجنبي ليس كالعبد وابى ذلك اكثر الفقهاء حتى يقول في اول الشهر او في وسطه او عند انقضائه او يسمي الوقت من الشهر او العام لنهيه صلى الله عليه وسلم عن البيع المؤجل إلى اجل معلوم ونهيه عن بيع حبل حبلة وهي إلى حين تباع الناقة ونتاج نتاجها وقالوا ليس معاملة السيد لمكاتبه كالبيوع لانه لا ربا بين العبد وسيده ‏(‏المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء واما قول عائشة ‏(‏ان احب اهلك ان اعدها لهم عددتها ففيه دليل على ان العد في الدراهم الصحاح يقوم مقام الوزن وان البيع والشراء بها جائز من غير ذكر الوزن لانها لم تقل أزنها لهم وهذا على حسب سنة البلد وعلم ذلك فيه وليس ذلك من سنة بلدنا ولا معروف عندنا والاصل في الذهب والورق الوزن وفي البر وما كان مثله الكيل وانما يجوز العد في بلد يكون الضارب فيه للدنانير والدراهم يعتبر الوزن ولا تدخله فيه داخلة ومن اجاز عد الدنانير والدراهم انما يجيزها في العروض كلها او في الذهب بالوزن لا في بعض الجنس ببعضه واما قولها ‏(‏ويكون ولاؤك لي فعلت‏)‏ فظاهر هذا الكلام انها ارادت ان تشتري منهم الولاء بعد عقدهم الكتابة لامتهم وان تودي جميع الكتابة اليهم ليكون الولاء لها فأبوا ذلك عليها وقالوا لا يكون الولاء الا لنا ولو كان هذا الكلام كما نقله هشام وغيره عن عروة عن عائشة لكان النكير حينئذ على عائشة لانها كانت متبوعة بأداء كتابة بريرة ومشترطة للولاء من اجل الاداء وهذا بيع الولاء وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فلو كان كذلك لكان الانكار على عائشة - رضي الله عنها - دون موالي بريرة ولكن الامر ليس كذلك بدليل ما نقله غير مالك في حديث هشام وما نقله غير هشام في حديث عائشة في هذه القصة فمن ذلك ان وهيب بن خالد - وكان حافظا - روى هذا الحديث عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة فقال فيه ان احب اهلك ان اعدها لهم عدة واحدة فأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت فقولها واعتقك دليل على شرائها لها شراء صحيحا لانه لا يعتقها الا بعد الشراء لها هذا هو الظاهر في قولها ‏(‏واعتقك‏)‏ والله اعلم وفي حديث بن شهاب ان رسول الله قال لعائشة ‏(‏لا يمنعك ذلك ابتاعي واعتقي‏)‏ فأمرها بابتياع بريرة وعتقها بعد ملكها لها وهذا هو الصحيح في الاصول وفي قوله في حديث بن شهاب ‏(‏ابتاعي واعتقي‏)‏ تفسير قوله في حديث هشام بن عروة ‏(‏ خذيها‏)‏ أي خذيها بالابتياع ثم اعتقيها ويصحح هذا كله حديث مالك عن نافع عن بن عمر ان عائشة ارادت ان تشتري بريرة فتعتقها فقال اهلها نبيعكها على ان الولاء لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏(‏لا يمنعك ذلك فان الولاء لمن اعتق‏)‏ وليس في احاديث بريرة اصح من هذا الاسناد لان الاحاديث عن عائشة مختلفة الالفاظ جدا وقد بان في حديث بن عمر ان عائشة انما ارادت شراء بريرة وعتقها فأبى اهلها الا ان يكون الولاء لهم وفي هذا يكون الانكار على موالي بريرة لا على عائشة لان الولاء للمعتق ولا يتحول ببيع ولا بهبة وفي ذلك ابطال الشرط في البيع اذا كان باطلا وتصحيح البيع وهذه مسألة اختلفت فيها الاثار وعلماء الامصار وقد روى الاعمش عن ابراهيم عن الاسود عن عائشة ان اهل بريرة ارادوا ان يبيعوها ويشترطوا الولاء فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏(‏اشتريها واعتقيها فانما الولاء لمن اعتق‏)‏ وهذه الرواية عن عائشة موافقة لحديث بن عمر في ذلك وكذلك في حديث بن شهاب ما يدل على ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امرها بالشراء ابتداء وتعتقها بعد ذلك ويكون الولاء لها وفي حديث هشام بن عروة ايضا في قوله ‏(‏خذيها ولا يمنعك ذلك فانما الولاء لمن اعتق‏)‏ دليل على صحة شرائها - ان شاء الله عز وجل واشتراط اهل بريرة الولاء بعد بيعهم لها للعتق خطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منكرا لذلك وقال ‏(‏ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في حكم الله أي ليست في حكم الله كما قال الله تعالى ‏(‏كتاب الله عليكم‏)‏ ‏[‏النساء 24‏]‏‏.‏

أي حكم الله فيكم وقد ذكرنا ما للعلماء في بيع المكاتب للعتق وغيره في حال تعجيزه وحكم ذلك كله في كتاب المكاتب وفي هذا الحديث ايضا دليل على ان عقد الكتابة للمكاتب لا يوجب له عتقا وفي ذلك رد قول من قال انه كالغريم من الغرماء اذا عقدت كتابته واما قوله في حديث هشام بن عروة خذيها واشترطي لهم الولاء فيكون معناه اظهري لهم حكم الولاء فانما الولاء لمن اعتق أي عرفيهم بحكم الولاء لان الاشتراط الاظهار ومنها اشراط الساعة ظهور علاماتها قال اوس بن حجر‏:‏

فأشرط فيها نفسه وهو معصم *** والقى بأسباب له وتوكلا

أي اظهر نفسه فيما حاول ان يفعل وقيل اشترطي لهم الولاء أي اشترطي عليهم كقوله تعالى ‏(‏ان احسنتم احسنتم لانفسكم وان اسأتم فلها‏)‏ الاسراء 7 أي فعليها وكقوله ‏(‏اولائك لهم اللعنة‏)‏ ‏[‏الرعد 25‏]‏‏.‏

أي عليهم وقوله تعالى ‏(‏فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ام من يكون عليهم وكيلا‏)‏ ‏[‏النساء 109‏]‏‏.‏

قوله عليهم بمعنى لهم ويجوز ان يكون معناه الوعيد والتهاون لمن خالف ما امر به كقوله تعالى ‏(‏واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد‏)‏ الاية الاسراء 64 ثم قال تعالى ‏(‏ان عبادي ليس لك عليهم سلطان‏)‏ الاسراء 65 بيانا بفعل من فعل ما نهى عنه وتحذيرا من موافقة ذلك ومعلوم انه لم يكن هذا القول منه الا بعد اعلامهم ان الولاء كالنسب لا يباع ولا يوهب لانه لا يجوز في صفته صلى الله عليه وسلم ان ينهى عن شيء ثم يأتيه وانما معناه اشترطي لهم الولاء فان اشتراطهم اياه بعد علمهم بان اشتراطهم لا يجوز غير نافع لهم ولا جائز في الحكم لانه صلى الله عليه وسلم امر باشتراط الولاء لهم ليقع البيع بينها وبينهم فبطل الشرط ويصح البيع وهم غير عالمين بأن اشتراطهم ذلك لانفسهم غير جائز لهم لان هذا مكر وخديعة والرسول صلى الله عليه وسلم ابعد الناس من هذا ومن ان يفعل ما نهي عن فعله وان يرضى لغيره ما لا يرضى لنفسه ومن ظن ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم فكافر بطعنه على النبي صلى الله عليه وسلم وانما كان هذا القول منه تهديدا ووعيدا لمن رغب عن سنته وحكمه من تحريم بيع الولاء وهبته وخالف في ذلك امره واقدم على فعل ما قد نهى عن فعله وليس في حديث مالك في هذا الباب تخيير بريرة حين عتقت تحت زوجها وهو عنده من حديث ربيعة مذكور في باب الخيار من كتاب الطلاق وقد مضى القول فيه هناك والحمد لله كثيرا وفي هذا الحديث دليل على ان الشرط الفاسد في البيع لا يفسد البيع ولكنه يسقط ويبطل الشرط ويصح البيع وهذا عند مالك - رحمه الله - في شيء دون شيء يطول شرح مذهبه في ذلك ويأتي كل في موضعه من البيوع ان شاء الله تعالى ومن قال من اهل العلم من يرى ان الشرط الفاسد يفسد البيع ومنهم من يرى انه لا ينعقد بيع ولا شرط اصلا ومنهم من يرى ان الشرط لا يضر البيع كائنا ما كان وهذه اصول يحتمل ان يفرد لها كتاب وقد ذكرنا في ‏(‏التمهيد‏)‏ خبر عبد الوارث بن سعيد الثوري قال قدمت مكة فوجدت ابا حنيفة وبن ابي ليلى وبن شبرمة فسألت ابا حنيفة فقلت ما تقول في رجل باع بيعا وشرط شرطا فقال البيع باطل والشرط باطل ثم اتيت بن ابي ليلى فسألته فقال البيع جائز والشرط باطل ثم اتيت بن شبرمة فسألته فقال البيع جائز والشرط جائز فقلت يا سبحان الله ‏!‏ ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا في مسألة واحدة فأتيت ابا حنيفة فأخبرته فقال لا ادري ما قالا حدثني عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط البيع باطل ثم اتيت بن ابي ليلى فأخبرته فقال لا ادري ما قالا حدثني هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة قالت ‏(‏امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اشتري بريرة فأعتقها وان اشترط اهلها الولاء فانما الولاء لمن اعتق‏)‏ البيع جائز والشرط باطل ثم اتيت بن شبرمة فأخبرته فقال لا ادري ما قالا لك حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر قال بعت من النبي صلى الله عليه وسلم ناقه وشرط لي حملانها او ظهرها إلى المدينة‏)‏ البيع جائز والشرط جائز وروى إسماعيل بن إسحاق قال حدثني ابو ثابت عن عبد الله بن وهب قال اخبرني مالك بأنه سأل بن شهاب عن رجل خطب عبده وليدة قوم واشترط على عبده ان ما ولدت الامة من ولد فله شطره وقد اعطاها العبد مهرها فقال بن شهاب هذا من الشرط الذي لا نرى له جوازا قال وقال بن شهاب اخبرني عروة بن الزبير ان عائشة قالت قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال ‏(‏ما بال الرجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وان شرطه مائة مرة شرط الله احق واوثق‏)‏ قال ابو الحسن الدارقطني انفرد إسماعيل بن إسحاق بهذا الحديث عن ابي ثابت عن بن وهب عن مالك قال ابو عمر واما قوله كل شرط ليس في كتاب الله فمعناه كل شرط ليس في حكم الله وقضائه من كتابه او سنة نبيه فهو باطل قال الله عز وجل ‏(‏كتاب الله عليكم‏)‏ ‏[‏النساء 24‏]‏‏.‏

أي حكم الله وقضائه فيكم وفيه اجازة السجع الحق من القول لقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏كتاب الله احق وشرط الله اوثق وانما الولاء لمن اعتق‏)‏ وهذا تفسير قوله في سجع الاعرابي ‏(‏اسجعا كسجع الكهان‏)‏ لان الكهان يسجعون بالباطل ليخرصون ويرجمون الغيب ويحكمون بالظنون وكذلك عاب سجعهم وسجع من اشبه معنى سجعهم ولذلك عاب قول الاعرابي في معارضة السنة بقوله كيف اغرم ما لا اكل ولا شرب ولا استهل ومثل ذلك بطل فقال له ‏(‏اسجعا كسجع الكهان‏)‏ لانه كان سجعا في باطل اعتراضا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على ان السجع كلام كسائر الكلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح وفي قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏انما الولاء لمن اعتق‏)‏ ما ينفي ان يكون الولاء إلى المعتق الا لمن اعتق فينبغي بظاهر هذا القول ان يكون الولاء للذي يسلم على يديه وللملتقط فأما الذي يسلم على يديه رجل او يواليه فقال مالك لا ميراث للذي اسلم على يديه ولا ولاء له وميراث ذلك المسلم اذا لم يدع وارثا لجماعة المسلمين وهو قول الشافعي والثوري وبن شبرمة والاوزاعي وحجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏انما الولاء لمن اعتق‏)‏ ينفي ذلك ان يكون الولاء إلى المعتق وهو قول احمد وداود وقال ابو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من اسلم على يدي رجل ووالاه وعاقده ثم مات ولا وارث له فميراثه له وقال الليث من اسلم على يدي رجل فقد والاه وميراثه له اذا لم يدع وارثا وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد الا ان يحيى بن سعيد قال ذلك فيمن جاء من ارض العدو كافرا فأسلم على يدي رجل من المسلمين ان له ولاءه قال واما من اسلم من اهل الذمة على يدي رجل مسلم فولاؤه لجماعة المسلمين ولم يفرق ربيعة ولا الليث بين الذمي واهله وحجة من ذهب مذهب ابي حنيفة وربيعة حديث تميم الداري قال ‏(‏سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشرك يسلم على يدي المسلم فقال هو اولى الناس واحق الناس واولاهم بمحياه ومماته‏)‏ وقضى به عمر بن عبد العزيز وقد ذكرنا الحديث باسناده في ‏(‏التمهيد‏)‏‏.‏

وحدثناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني عبد الله بن داود الخريبي عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن وهب عن تميم الداري قال ابو عمر وحديث الولاء لمن اعتق اصح وسنذكر ميراث اللقيط وولاءه في كتاب الاقضية عند ذكر حديث بن شهاب عن سنين بن جميلة - ان شاء الله عز وجل واما ولاء السائبة وولاء المسلم يعتقه النصراني فسيأتي القول في ذلك في اخر باب في هذا الكتاب ان شاء الله تعالى واما قول مالك في العبد يبتاع نفسه من سيده على انه يوالي من شاء فان ذلك لا يجوز لان الولاء لمن اعتق بقول صحيح يشهد له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏انما الولاء لمن اعتق‏)‏ ونهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وهبته واحتجاج مالك بذلك صحيح حسن جدا الا انها مسألة اختلف فيها السلف قديما ومن بعدهم وقول الشافعي فيها كقول مالك وهو قول احمد وداود وروي عن عمر بن الخطاب انه جعل اسلامه على يديه موالاة وجعل لمن لا ولاء عليه ان يوالي من شاء وهو قول عمر بن عبد العزيز والليث بن سعد قال معمر عن الزهري قضى عمر بن الخطاب في رجل والى قوما ان ميراثه لهم وعقله عليهم قال الزهري اذا لم يوال احدا ورثه المسلمون وقد روى حماد بن سلمة عن جعفر بن الزبير عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابي امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من اسلم على يدي رجل فله ولاؤه‏)‏ وروي عن عمر وعلي وعثمان وبن مسعود انهم اجازوا الموالاة وورثوا بها وعن عطاء والزهري ومكحول نحوه وروي عن سعيد بن المسيب ‏(‏أيما رجل اسلم على يدي رجل فعقل عنه ورثه وان لم يعقل عنه لم يرثه‏)‏ وقالت به طائفة وقال ابو حنيفة واصحابه اذا والاه على ان يعقل عنه ويرثه عقل عنه وورثه اذا لم يخلف وارثا قالوا وله ان ينقل ولاءه عنه ما لم يعقل عنه او عن احد من صغار ولده وللمولي ان يبرا من ولائه بحضرته ما لم يعقل عنه وان أسلم على يدي رجل ولم يعقل عنه ولم يواله لم يرثه ولم يعقل عنه وهو قول الحكم وحماد وابراهيم وهذا كله فيمن لا عصبة له ولا ذو رحم ومن هذا الباب عتق المرء عن غيره باذنه وبغير اذنه وقد اختلف العلماء في ذلك فالذي ذهب إليه مالك في المشهور من مذهبه عند اكثر اصحابه ان الولاء عنه سواء كان بامره او بغير امره وقال اشهب الولاء للمعتق وسواء امره بذلك او لم يامره وهو قول الليث والاوزاعي وحجة مالك حديث أبن شهاب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث ذكره ان نبي الله ايوب عليه السلام قال في بلائه ان الله تعالى يعلم اني كنت امر على الرجلين يتنازعان ويذكران الله تعالى فارجع إلى بيتي فاكفر عنهما كراهة ان يذكر الله تعالى الا في حق وقد روي هذا الحديث عن بن شهاب عن انس وقد ذكرنا ذلك كله بالاسانيد في ‏(‏التمهيد‏)‏ وفي هذا الحديث دليل على جواز عتق المرء عن غيره لان الكفارة قد تكون بالعتق وغيره ولم يبلغنا ان شريعة ايوب كانت بخلاف شريعتنا وقد قال الله عز وجل ‏(‏اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتدة‏)‏ الانعام 90‏.‏

وقال الشافعي اذا اعتقت عبدك عن رجل حي او ميت بغير امره فولاءه لك وان اعتقته عنه بامره بعوض او بغير عوض فولاؤه له ويجزئه بمال وبغير مال وسواء قبله المعتق عنه او لم يقبله وهو قول احمد وداود وقال ابو حنيفة واصحابه والثوري ان قال اعتق عني عبدك على مال ذكره فالولاء للمعتق عنه لانه بيع صحيح واذا قال اعتق عبدك عني بغير مال فالولاء للمعتق لان الامر لم يملك منه شيئا وهي هبة باطل لانها لا يصح فيها القبض قال ابو عمر الاصل في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الولاء لمن اعتق‏)‏ يدخل فيه الذكر والانثى والواحدة والجماعة لانه من يصلح له كله الا ان السفيه الذي لا يجوز له التصرف في ماله خارج من هذه الجملة واما النساء فلهن ولاء من اعتقن دون ميراث الولاء في غير ذلك وقد تقدم هذا المعنى مجودا والحمد لله كثيرا‏.‏

باب جر العبد الولاء اذا اعتق

1492- مالك عن ربيعة بن عبد الرحمن ان الزبير بن العوام اشترى عبدا فاعتقه ولذلك العبد بنون من امراة حرة فلما اعتقه الزبير قال هم موالي وقال موالي امهم بل هم موالينا فاختصموا إلى عثمان بن عفان فقضى عثمان للزبير بولائهم‏.‏

1493- مالك انه بلغه ان سعيد بن المسيب سئل عن عبد له ولد من امراة حرة لمن ولاؤهم فقال سعيد ان مات ابوهم وهو عبد لم يعتق فولاؤهم لموالي امهم قال مالك ومثل ذلك ولد الملاعنة من الموالي ينسب إلى موالي امه فيكونون هم مواليه ان مات ورثوه وان جر جريرة عقلوا عنه فان اعترف به ابوه الحق به وصار ولاؤه إلى موالي ابيه وكان ميراثه لهم وعقله عليهم ويجلد ابوه الحد قال مالك وكذلك المراة الملاعنة من العرب اذا اعترف زوجها الذي لاعنها بولدها صار بمثل هذه المنزلة الا ان بقية ميراثه بعد ميراث امه واخوته لامه لعامة المسلمين ما لم يلحق بابيه وانما ورث ولد الملاعنة المولاة موالي امه قبل ان يعترف به ابوه لانه لم يكن له نسب ولا عصبة فلما ثبت نسبة صار إلى عصبته قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا في ولد العبد من امراة حرة وابو العبد حر ان الجد ابا العبد يجر ولاء ولد ابنه الاحرار من امراة حرة يرثهم ما دام ابوهم عبدا فان عتق ابوهم رجع الولاء إلى مواليه وان مات وهو عبد كان الميراث والولاء للجد وان العبد كان له ابنان حران فمات احدهما وابوه عبد جر الجد ابو الاب الولاء والميراث قال ابو عمر هكذا رواه يحيى وبن بكير وطائفة ورواه مطرف وابو مصعب وغيرهما عن مالك بابين من هذا قالا ‏(‏جر الجد الولاء وكان الميراث بينهما‏)‏ وهذا صحيح لانه ميراث مال لا ميراث ولاء واما قوله وجر الجد الولاء إلى مواليه فمعلوم انه يجره اليهم اذا لم يكن وارث يحجبه عنهم قال ابو عمر اما حديث مالك عن ربيعة في قصة الزبير رواه الثوري وبن جريج عن حميد الاعرج عن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمي ورواه معمر والثوري عن هشام بن عروة عن ابيه بمعنى واحد ان الزبير بن العوام اشترى عبدا مملوكا عند رافع بن خديج زوجه مولاة له منها بنون فلما اشترى الزبير العبد اعتقه فاختصما إلى عثمان فقضى بالولاء للزبير واختلف اهل العلم في انتقال الولاء الذي قد ثبت لموالي الامة المعتقة في بنيها من الزوج العبد ان اعتق بعد فروي عن جماعة من العلماء ان ولاءهم لموالي امهم لا يجره الاب ان اعتق وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وممن قال ذلك عطاء وعكرمة بن خالد ومجاهد وبن شهاب وقبيصة بن ذؤيب وقضى به عبد الملك بن مروان في اخر خلافته لما حدث به قبيصة عن عمر بن الخطاب وكان قبل ان يقضي فيه بقضاء مروان ان الولاء يعود لموالي ابيهم ان اعتق وروي عن عمر بن عبد العزيز وميمون بن مروان مثل ذلك وروى معمر عن الزهري قال لا يتحول ولاؤهم إلى مال ابيهم قال معمر وبلغني عن ميمون بن مهران وعمر بن عبد العزيز ادوا ذلك‏.‏

وحدثني بن طاوس عن عكرمة بن خالد مثل ذلك‏.‏

وقال مالك والاوزاعي وابو حنيفة وسفيان الثوري والليث بن سعد والشافعي واحمد واسحاق كلهم واصحابهم يقولون ان العبد اذا اعتق جر ولاء ولده إلى مواليه وانتقل ولاؤهم عن امهم وعن مواليها وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت والزبير بن العوام وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري ومحمد بن سيرين وابراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وقضى به مروان عن راي اهل المدينة وما نظر به مالك من ولد الملاعنة فتنظير صحيح وقياس حسن واما قول مالك ان الجد اب العبد يجر ولاء ولد ابنه الاحرار من امراة حرة يرثه ما دام ابوهم عبدا فان اعتق ابوهم رجع الولاء إلى مواليه على حسب ما ذكره من ذلك في هذا الباب وقوله ان الامر المجتمع عليه عندهم فهو مذهب الشافعي عند بعض اصحابه وروي ذلك عن الشعبي وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد والثوري لا يجر الجد الولاء قالوا في ولد العبد من امراة حرة اذا كان العبد حيا لم يجر الولاء وحجتهم ان ولد العبد لا يكون مسلما باسلام جده وان اباه لو لاعن امة لم يستخلفه الجر فكذلك لا يلحق به ولاؤه قال ومعلوم ان نسبه إلى الجد انما هو بابيه فكذلك ينبغي ان يكون ولاؤه لابيه فاذا لم يثبت ولاؤه من جهة الاب لم يثبت من جهة الجد قال مالك في الامة تعتق وهي حامل وزوجها مملوك ثم يعتق زوجها قبل ان تضع حملها او بعد ما تضع ان ولاء ما كان في بطنها للذي اعتق امه لان ذلك الولد قد كان اصابه الرق قبل ان تعتق امه وليس هو بمنزلة الذي تحمل به امة بعد العتاقة لان الذي تحمل به امه بعد العتاقة اذا اعتق ابوه جر ولاءه قال ابو عمر على هذا مذهب الكوفي والشافعي واكثر اهل العلم ولم يختلفوا انه لو قال لامته الحامل ما ولدت فهو حر انه تلحقه الحرية اذا ولدته ويلزمه فيه قوله وكذلك اذا اعتقها حاملا فولدها كعضو منها فكذلك يلحق العتق ما في بطنها فكيف يجر العبد اذا اعتق ولاء من قد ثبت عليه الولاء لمعتقه ‏!‏ قال مالك في العبد يستاذن سيده ان يعتق عبدا له فياذن له سيده ان ولاء العبد المعتق لسيد العبد لا يرجع ولاؤه لسيده الذي اعتقه وان عتق قال ابو عمر يتفق في هذه المسالة من قال ان العبد يملك ومن قال ان العبد لا يملك شيئا وعتق العبد باذن سيده عند من لم يملك عنده العبد شيئا كعتق الوكيل باذن الموكل وهو في معنى من وكل رجلا على انكاحه او طلاقه ومن قال ان العبد لا يملك لا يجيز له التصرف في ما بيده الا باذنه فاذا اذن له فيه كان كما وصفنا وبالله توفيقنا‏.‏

باب ميراث الولاء

1494- مالك عن عبد الله بن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن ابي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن ابيه انه اخبره ان العاصي بن هشام هلك وترك بنين له ثلاثة اثنان لام ورجل لعله فهلك احد اللذين لام وترك مالا وموالي فورثه اخوه لابيه وامه ماله وولاؤه مواليه ثم هلك الذي ورث المال وولاء الموالي وترك ابنه واخاه لابيه فقال ابنه قد احرزت ما كان ابي احرز من المال وولاء الموالي وقال اخوه ليس كذلك انما احرزت المال واما ولاء الموالي فلا ارايت لو هلك اخي اليوم الست ارثه انا فاختصما إلى عثمان بن عفان فقضى لاخيه بولاء الموالي‏.‏

1495- مالك انه بلغه ان سعيد بن المسيب قال في رجل هلك وترك بنين له ثلاثة وترك موالي اعتقهم هو عتاقة ثم ان الرجلين من بنيه هلكا وتركا اولادا فقال سعيد بن المسيب يرث الموالي الباقي من الثلاثة فاذا هلك هو فولده وولد اخوته في ولاء الموالي شرع سواء قال ابو عمر هذا المعنى هو الذي يسميه العلماء الولاء للكبير وهو مذهب عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب وبن مسعود وزيد بن ثابت - رضي الله عنه قال سعيد بن المسيب وطاوس وعطاء وبن شهاب وبن سيرين وقتادة وابو الزناد وربيعة وسائر اهل المدينة واليه ذهب مالك وابو حنيفة والشافعي واصحابهم والثوري والاوزاعي والليث واحمد واسحاق وابو عبيد وابو ثور كل هؤلاء يقول ان الولاء للكبير ومعنى ان يستحقه الاقرب إلى المعتق ابدا في حين موت المولي على ما تقدم من قضاء عثمان وقول سعيد بن المسيب في هذا الباب قال احمد بن حنبل على هذا جمهور الناس وروي عن الزبير انه كان يقول ان الولاء يورث كما يورث المال وان من احرز من المال شيئا احرز مثله من ولاء الموالي الا النساء وبه قال شريح وطائفة من اهل البصرة قد ذكرنا بعضهم عند ذكر ربيعة في باب الخيار من كتاب الطلاق واختلفوا في السيد المعتق اذا ترك اباه وابنه ثم مات المولي المعتق فقال ابراهيم النخعي والاوزاعي وعبيد الله بن الحسن واحمد واسحاق وابو يوسف القاضي لابيه سدس الولاء وما بقي فلابنه فانهما في القرب من الميت سواء فهما فيه كهما في مال الميت وقال عطاء والزهري والحسن والشعبي والحكم وحماد الميراث الذي يخلفه المعتق كله للابن دون الاب لان الابن اقرب العصبات وبه قال مالك والثوري وقتادة والزهري وابو قتادة والشعبي ومحمد بن الحسن وهاتان المسالتان اصلان في بابهما‏.‏

1496- مالك عن عبد الله بن ابي بكر بن حزم انه اخبره ابوه انه كان جالسا عند ابان بن عثمان فاختصم إليه نفر من جهينة ونفر من بني الحارث بن الخزرج وكانت امراة من جهينة عند رجل من بني الحارث بن الخزرج يقال له ابراهيم بن كليب فماتت المراة وتركت مالا وموالي فورثها ابنها وزوجها ثم مات ابنها فقال ورثته لنا ولاء الموالي قد كان ابنها احرزه فقال الجهنيون ليس كذلك انما هم موالي صاحبتنا فاذا مات ولدها فلنا ولاؤهم ونحن نرثهم فقضى ابان بن عثمان للجهنيين بولاء الموالي قال ابو عمر هذا ايضا من باب الولاء لكبير وقد اختلف اهل العلم في المراة تعتق عبدا لها ثم تموت وتخلف ولدا ذكورا واناثا وعصبة لها ثم يموت مولاها الذي اعتقته فقالت طائفة من اهل العلم مال المولي المتوفى لعصبتها دون ولدها لانهم الذين يعقلون عنها وعن مواليها فكما يعقلون عنها فكذلك يرثون مواليها واحتجوا بما روي عن علي - رضي الله عنه - حين خاصم الزبير في موالي صفية امه وروى علي انه احق بولائهم من الزبير لانه عصبتها والزبير ابنها وخالف في ذلك عليا عمر فقضى بولاء موالي صفية بنت عبد المطلب لابنها الزبير - رضي الله عنهم اجمعين وقضى بالعقل على عصبتها ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن حماد عن ابراهيم ان عليا والزبير اختصما في موالي صفية فقضى عمر بالعقل على علي والميراث للزبير وقال بقول عمر في ذلك الشعبي والزهري وقتادة واليه ذهب مالك والشافعي والثوري والاوزاعي وابو حنيفة وابو يوسف ومحمد واحمد واسحاق ثم اختلفوا في ولد المراة اذا ماتوا وانقرضوا هل يرث ذلك عنهم عصبتهم او ينصرف الولاء إلى عصبة المراة كان مالك وسفيان يقولان بمثل ما قضى به ابان بن عثمان في قصة الجهنية لعصبتها الجهنين وهو قول ابي حنيفة واصحابه وبه قال احمد واسحاق وقال الاخرون الولاء قد وجب لابن المراة فلا يعود إلى عصبتها ابدا ويرثه عن الابن بنوه دون عصبة المراة لان الولاء قد احرزه الابن ووجب له فلا ينتقل عنه الا إلى من يرثه من ولد وعصبته روي هذا عن بن مسعود وقالت به طائفة ورووا فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏ما احرز الولد او الوالد فهو لعصبته من كان‏)‏ وروي ذلك عن علي - رضي الله عنه - مثل ذلك ايضا وقد روي عن الشعبي قول رابع في المراة تموت وتترك موالي ان الميراث منهم لولدها والعقل عليهم وبه كان يقضي بن ابي ليلى قال ابو عمر هذا شذوذ في ايجابه العقل عل الابن وولده عصبته والجمهور على ان العقل على عصبتها وبالله التوفيق‏.‏